بسم الله الرحمنالرحيمالحمد لله والصلاة وسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
" إنهاقصة من أروع القصص الواقعية المؤثرة ، حصلت لطفلة صغيرة تقية صالحة رغم صغر سنها ،وهي قصة من أعجب القصص ، سيرويها لكم أبوها وهو لبناني اشتغل في السعودية فترة منالزمن .
قال: عشت في الدمام عشر سنين ورزقت فيها بابنة واحدة أسميتها ياسمين،وكان قد ولد لي من قبلها ابن واحد وأسميته احمد وكان يكبرها بثمان سنين وكنت اعملهنا في مهنة هندسية..فأنا مهندس وحائز على درجة الدكتوراة.. كانت ياسمين آية منالجمال لها وجه نوراني زاهر..
ومع بلوغها التسع سنوات رأيتها من تلقاء نفسهاتلبس الحجاب وتصلي وتواظب على قراءة القرآن بصورة ملفتة للنظر.. فكانت ما إن تنتهيمن أداء واجباتها المدرسية حتى تقوم على الفور وتفترش سجادة صلاتها الصغيرة وتأخذبقرآنها وهي ترتله ترتيلا طفوليا ساحرا..كنت أقول لها قومي العبي مع صديقاتك فكانتتقول: صديقي هو قرآني وصديقي هو ربي ونعم الصديق..ثم تواصل قراءة القرآن..
وذاتيوم اشتكت من ألم في بطنها عند النوم..فأخذتها إلى المستوصف القريب فأعطاها بعضالمسكنات فنهدأ آلامها يومين..ثم تعاودها..وهكذا تكررت الحالة..ولم أعط الأمر حينهاأي جدية..وشاء الله أن تفتح الشركة التي أعمل بها فرعا في الولايات المتحدةالأمريكية..وعرضوا علي منصب المدير العام هناك فوافقت..ولم ينقض شهرواحد حتىكنا في أحضان أمريكا مع زوجتي واحمد وياسمين..ولا أستطيع وصف سعادتنا بتلك الفرصةالذهبية والسفر للعيش في أمريكا هذا البلد العملاق الذي يحلم بالسفر إليه كلإنسان..
بعد مضي قرابة الشهرين على وصولنا إلى أمريكا عاودت الآلام ياسمينفأخذتها إلى دكتور باطني متخصص..فقام بفحصها وقال: ستظهر النتائج بعد أسبوع ولاداعي للقلق ادخل كلام الطبيب الاطمئنان إلى قلبي..وسرعان ما حجزت لنا مقاعد علىأقرب رحلة إلى مدينة الألعاب (أورلاندو) وقضينا وقتا ممتعا مع ياسمين..بين الألعابوالتنزه هنا وهناك .. وبينما نحن في متعة المرح..رن صوت هاتفي النقال..فوقعقلبي..لا أحد في أمريكا يعرف رقمي..عجبا أكيد الرقم خطأ .فترددت في الإجابة..وأخيراضغطت على زر الإجابة..
- الو..من المتحدث ؟؟
- أهلا يا حضرة المهندس..معذرةعلى الإزعاج فأنا الدكتور ستيفن..طبيب ياسمين هل يمكنني لقاؤك في عيادتي غدا ؟
- وهل هناك ما يقلق في النتائج ؟!
- في الواقع نعم..لذا أود رؤية ياسمين..وطرح عددمن الأسئلة قبل التشخيص النهائي..
- حسنا سنكون عصر غد عند الخامسة في عيادتكإلى اللقاء..
اختلطت المخاوف والأفكار في رأسي..ولم ادر كيف أتصرف فقد بقي فيبرنامج الرحلة يومان وياسمين فيقمة السعادة لأنها المرة الأولى التي تخرج فيهاللتنزه منذ وصولنا إلى أمريكا..وأخيرا أخبرتهم بأن الشركة تريد حضوري غدا إلى العمللطارئ ما..وهي فرصة جيدة لمتابعة تحاليل ياسمين فوافقوا جميعا على العودة بشرط أننرجع إلى أور لاند في العطلة الصيفية..
وفي العيادة استهل الدكتور ستيفن حديثهلياسمين بقوله: - مرحبا ياسمين كيف حالك ؟
- جيدة ولله الحمد..ولكني أحس بآلاموضعف، لا أدري مما ؟وبدأ الدكتور يطرح الأسئلة الكثيرة..وأخيرا طأطأ رأسه وقاللي: - تفضل في الغرفة الأخرى..
وفي الحجرة انزل الدكتور على رأسي صاعقة..تمنيتعندها لو أن الأرض انشقت وبلعتني..
قال الدكتور: - منذ متى وياسمين تعاني منالمرض ؟قلت: منذ سنة تقريبا وكنا نستعمل المهدئات وتتعافى ..
فقال الطبيب: ولكن مرضها لا يتعافى بالمهدئات..أنها مصابة بسرطان الدم في مراحله الأخيرةجدا..ولم يبق لها من العمر إلا ستة اشهر..وقبل مجيئكم تم عرض التحاليل على أعضاءلجنة مرضى السرطان في المنطقة وقد أقروا جميعا بذلك من واقع التحاليل ..
فلمأتمالك نفسي وانخرطت في البكاء وقلت: مسكينة..والله مسكينة ياسمين هذه الوردةالجميلة..كيف ستموت وترحل عن الدنيا..وسمعت زوجتي صوت بكائي فدخلت ولما علمت أغمىعليها..وهنا دخلت ياسمين وابني أحمد وعندما علم أحمد بالخبر احتضن أخته وقال: مستحيل أن تموت ياسمين..
فقالت ياسمين ببراءتها المعهودة: أموت..يعني ماذا أموت؟ فتلعثم الجميع من هذا السؤال..
فقال الطبيب: يعني سترحلين إلى الله..
فقالتياسمين: حقا سأرحل إلى الله ؟!.. وهل هو سيئ الرحيل إلى الله ألم تعلماني يا والديبان الله أفضل من الوالدين والناس وكل الدنيا..وهل رحيلي إلى اللهيجعلك تبكي ياأبي ويجعل أمي يغمى عليها..فوقع كلامها البريء الشفاف مثل صاعقة أخرى فياسمين ترىفي الموت رحلة شيقة فيها لقاء مع الحبيب..
- عليك الآن أن تبدأالعلاج..
فقالت: إذا كان لابد لي من الموت فلماذا العلاج والدواءوالمصاريف..
- نعم يا ياسمين..نحن الأصحاء أيضا سنموت فهل يعني ذلك بان نمتنع عنالأكل والعلاج والسفر والنوم وبناء مستقبل..فلو فعلنا ذلك لتهدمت الحياة ولم يبقعلى وجه الأرض كائن حي..
الطبيب: تعلمين يا ياسمين بأن في جسد كل إنسان أجهزةوآلات كثيرة هي كلها أمانات من الله أعطانا إياها لنعتني بها..فأنت مثلا..إذا أعطتكصديقتك لعبة..هل ستقومين بتكسيرها أم ستعتنين بها ؟ياسمين - بل سأعتني بهاوأحافظ عليها..
الطبيب : وكذلك هو الحال لجهازك الهضمي والعصبي والقلب والمعدةوالعينين والأذنين ، كلها أجهزة ينبغي عليك الاهتمام بها وصيانتها منالتلف..والأدوية والمواد الكيميائية التي سنقوم بإعطائك إياها إنما لهاهدفان..الأول تخفيف آلام المرض والثاني المحافظة قدر الإمكان على أجهزتك الداخليةمن التلف حتى عندما تلتقين بربك وخالقك تقولين له لقد حافظت على الأمانات التيجعلتني مسئولة عنها..هأنذه أعيدها لك إلا ما تلف من غير قصد مني..
ياسمين : إذاكان الأمر كذلك..فأنا مستعدة لأخذ العلاج حتى لا أقف أمام الله كوقوفي أمام صديقتيإذا كسرت لعبها وحاجياتها..
مضت الستة اشهر ثقيلة وحزينة بالنسبة كأسرة ستفقدابنتها المدللة والمحبوبة.. وعكس ذلك كان بالنسبة لابنتي ياسمين فكان كل يوم يمريزيدها إشراقا وجمالا وقربا من الله تعالى..قامت بحفظ سور من القرآن..وسألناهالماذا تحفظين القرآن ؟قالت: علمت بان الله يحب القرآن..فأردت أن أقول له يا ربحفظت بعض سور القرآن لأنك تحب من يحفظه..
وكانت كثيرة الصلاة وقوفا..وأحياناكثيرة تصلي على سريرها..
فسألتها عن ذلك فقالت: سمعت إن رسول الله (صلى اللهعليه وآله وسلم) يقول: ( جعلت قرة عيني في الصلاة) فأحببت أن تكون لي الصلاة قرةعين..
وحان يوم رحيلها..وأشرق بالأنوار وجهها..وامتلأت شفتاها بابتسامةواسعة..وأخذت تقرأ سورة (يس) التي حفظتها وكانت تجد مشقة في قراءتها إلى أن ختمتالسورة ثم قرأت سورة الحمد وسورة (قل هو الله أحد) ثم آية الكرسي..ثم قالت: الحمدلله العظيم الذي علمني القرآن وحفظنيه وقوى جسمي للصلاة وساعدني وأنار حياتيبوالدين مؤمنين مسلمين صابرين ، حمدا كثيرا أبدا..واشكره بأنه لم يجعلني كافرة أوعاصية أو تاركة للصلاة..
ثم قالت: تنح يا والدي قليلا ، فإن سقف الحجرة قد انشقوأرى أناسا مبتسمين لابسين البياض وهم قادمون نحوي ويدعونني لمشاركتهم في التحليقمعهم إلى الله تعالى..
وما لبثت أن أغمضت عينيها وهي مبتسمة ورحلت إلى الله ربالعالميناللهم ارحم هذه الطفلة الصالحة وارحمنا برحمتك وأحسنخاتمتنا....
يارب امين